ليس الفن للفن.. إنما الفن للحياة
لعلنا نستطيع أن نجزم أن نشر الجمال هو فضيلة من الفضائل، وقد أثبت لنا الزمن أنه لا يمكن أن يكون مجتمع الترقي الحضاري قائما دون وجود الترقي الجمالي كعنصر أساسي في روحه وتفاصيل حياته، وهو نوع من الضرورة لا الكماليات كما يظن البعض، إذ تم تحويل كل الخامات الرخيصة من طين وخشب ورمل إلى تحف فنية للاستخدام اليومي بعيدا عن بذخ الذهب والفضة المحرم استخدامها على المسلمين لما فيها من تكبر وتعالٍ على الغير. فأصبحت الحياة مليئة بالزخرفة والتجريد والألوان الحية والمظهر الدافئ الذي يدل على الحرفة العالية دون الخامة المتعالية.
لن يستقيم إذن مجتمع قائم بالعدل والفضيلة دون هذا الهامش الطبيعي للجمال الفني الذي يحده الإتقان من طرف والتواضع من طرف آخر.
لقد تم توظيف الفن في عملية الترقي الاجتماعي بأقصى حالات هذا التوظيف ودون تكاليف باهظة, كل شيء صار جميلا مزخرفا.
إنها مرحلة زخرفية كاملة رافقت الإنسان العربي المسلم في مرحلة من المراحل, حيث انتشر المفهوم الجمالي وتوسع حتى شمل الأشياء الاعتيادية اليومية, وهو أمر رائع أن تجد الاعتياديات التي حولك قد تحولت إلى هذا النوع من الرقي دون أثمان باهظة ومهندسي ديكور ودون أن يكون الفن حكرا على طبقة معينة من المثقفين أو من التجار وأصحاب رؤوس الأموال.
وقد سهل تبني الطبقات الاجتماعية لتلك الرؤى الجمالية عموما لأنها أيضا كما ذكرنا من قبل لا تحتوي على رسائل صعبة ولا تطلب من المتلقي الاقتناع بفلسفة ما.. وهذا ما يجعل الاتفاق الجماعي عليها وتبنيها في الحياة أمر بسيط وفطري وبديهي بداهة الاقتناع وتبني محبة الجمال الطبيعي بالفطرة والبديهة.
محمد الحموي
من محاضرة ألقيت في جامعة فالبريسو 2016 حول الفن الإسلامي