ربما تكون الحضارة الإسلامية.. هي الحضارة الوحيدة التي جعلت من الكلمة لوحة ومن العبارة تشكيلا وفنا وإبداعا.
لقد كان النص القرآني بالنسبة للمسلمين مادة غنية ودسمة بالقوة اللفظية والزخم الروحي والتوجيه الذي لا يشك في صحته، ما جعل هذا النص المقدس قبلة للاحتفال والتكريم وطريقة من طرق التعبير عن الذات الفنية المسلمة.
فالعبارات الخطية الأهم التي زينت العمارة الإسلامية كانت عبارة عن مجتزءات قرآنية لها وقعها الجميل في صدور المؤمنين تم تدوينها بطريقة محددة بداية كي يكون لها الأثر الدائم في نفوس الناس، ثم تطورت بعد ذلك عندما بدأ الفنان المسلم يكتشف إمكانيات التلاعب الفني بالخط العربي. الذي يعتبر من الخطوط المرنة إذ تكتب كلماته بطريقة موصولة لا مقطعة مما يجعله يحتمل المط والليّ والأقواس والزوايا والتعديلات بشكل واسع ومتنوع.
من هنا بدأت مرحلة مبهرة من الغنى الخطي والإبداعات القائمة على الاكتشاف الجديد، وهو ما جعل العمارة الإسلامية ذاخرة بأنواع الخطوط الجديدة والتشكيلات البصرية النادرة بجمال تكوينها ودقة تنفيذها وروعة معناها القرآني الذي يطمئن النفس ويفتح التأويل.
وقد تنوعت الخطوط كثيرا في صدر الحضارة الإسلامية، فكان لكل حقبة ما يميزها من خطوط تطورت حسب المكان وإرثه اللغوي وحسب طبيعة وميل الفنان الذي يقوم بالزخرفة الخطية، وهو ما جعل الباب مفتوحا لكثير من أنواع الخطوط الجميلة المكتشفة:
مثل الكوفي والرقعي والثلث والفارسي والنسخ والعثماني .. الخ.
ونتيجة لرفعة العبارات المكتوبة ونسبتها بمعظمها لكلمات الله عز وجل فقد كان للخطاط المسلم قيمة كبيرة واحترام بالغ بين الناس، وقد كان يطلق عليه لقب المعلم، حيث يقوم بتعليم الطلاب هذا الفن وكان الأمر يحتاج إلى انضباط كبير ودقة بالغة خلال عملية التعلم، ما أضفى على تلك الصنعة هالة وقدسية ومزيدا من الاحترام والتبجيل بين الناس.
يستطيع المتتبع للآثار الخطية الموجودة بزخم كبير في العمارة الإسلامية المختلفة أن يرى أن العبارات انتشرت فوق كل شيء تقريبا واستخدمت العديد من الخامات.
فمن المعتاد أن يكون الخط أو العبارات المكتوبة مرافقة فقط للورق والكتب والرسائل, أما الزخرفة الخطية في الإسلام فقد استخدمت وطوعت العديد من الخامات من اجل تكريم العبارة.
فمن الخشب إلى النحاس ومن الخزف إلى الزجاج ومن المحفور إلى البارز أوالناتئ, حيث لم توفر ولا طريقة واحدة لدعم هذا الفن وبغيته الدائمة بتوصيل المعنى بأبهى صورة ممكنة.
محمد الحموي