الفنون الزجاجية والبلورية
استهوت مادة البللور الصخري التي كشفها الفنان المسلم من الطبيعة وشغف بما لمسه فيها من شفافية فحاول أن يقلدها ونجح في محاولته وتمكن أن يصنع من عجينة الزجاج أواني ذات مزايا لا نجدها في مثيلاتها المصنوعة من مواد أخرى حيث أن الزجاج شفاف لا يعلق به أي صدا مما يعلق عادة بالأواني المعدنية الأخرى ولا يثقل باليد أو الحمل كما تثقل الأواني الحجرية مثلا ولا يتأثر بالأحماض التي تأكل النحاس والحديد، ومن هنا كان ولايزال أحسن وعاء لحفظ العقاقير المختلفة كما يمكن تشكيله بالصورة المطلوبة نظرا للدونته، على حين أن الحجر يحتاج في تشكيله إلى النحت والقطع، والخشب لا يتشكل إلا بالخرط والحفر والنحت.
عالج الفنان الإسلامي صناعة الأواني والتحف الزجاجية بثلاث طرق اهتدى إليها في ضوء التجارب التي أجراها:
طريقة القالب.
طريقة السحب.
طريقة النفخ.
والتحف الزجاجية الإسلامية قد تكون عاطلة من الزخرفة ويتوقف جمالها في شكلها العام، وقد تكون مزخرفة وتنتج هذه الزخرفة عن القالب الذي نفخ فيه الإناء الزجاجي إذ ينطبع عليه ما هو موجود في القالب من زخارف شتى.
ومن زخارف التحف الزجاجية أيضا ما ينتج عن طريق الضغط على جدران الإناء، وهو لايزال لينا بوساطة آلة خاصة على هيئة الملقط، ويكون عادة في هذه الآلة زخرفة تنطبع على جدران الإناء.
ومن الزخارف أيضا ما يحدث بالحز أو بالحفر أو بالقطع بعجلة خاصة ومنها ما يكون بإضافة خيوط زجاجية حول الإناء تضغط فيه وهو مايزال لينا ضغطا يجعلها في مستوى جدار الإناء، وكأنها جزء منه، وعندئذ يتكون نوع من الزخرفة يشبه الرخام المعرق.
ومن زخارف التحف الزجاجية كذلك ما قام على إضافة نقط من زجاج يختلف لونه عن لون الإناء الزجاجي المطلوب زخرفته فتبدو هذه النقط بارزة على السطح.
وهناك طريقة أخرى حاول فيها الصانع أن يقلد بعض الأحجار الكريمة التي جعلتها الطبيعة من لونين مختلفين فجعل بعض الأواني الزجاجية من طبقتين من الزجاج ملتصقتين ببعضهما ويختلف لون الواحدة عن الأخرى ثم حفر على الطبقة الزجاجية الزخارف التي يريدها.
وتوجد أيضا طريقة التذهيب التي تقوم على استخدام طبقة رقيقة من الذهب تثبت فوق سطح الإناء.
شاعت هذه الطرق في العصر الإسلامي، ومن أحبها طريقة الحفر وطريقة القطع لخبرتهم المعروفة بالتشكيل وزخرفة البلور الصخري الذي كان موفورا لديهم.
وقد نجحوا في عمل زخارف من أشكال هندسية وصور آدمية وحيوانية وعناصر نباتية بهاتين الطريقتين اللتين استخدمتا في العصر الإسلامي أيضا.
وقد أبدع الفنان الإسلامي من الزجاج والأواني بشتى أنواعها من القناني الصغيرة والكبيرة المختلفة الأشكال والدوارق والأباريق والمشكاوات والصحون والمصابيح والمحابر والصناديق، كما صنع أيضا أعيرة الوزن التي كتب عليها ما يفيد نقلها وما يدل على تاريخ صنعها.
ولما قامت الخلافة الفاطمية في مصر وصلت صناعة الزجاج في عهدها إلى ذروة النضوج التي ينطق بها ما تشاهده اليوم من أمثلة كثيرة معروضة منها في المتاحف المختلفة في الشرق والغرب.
ولم يقف المسلمون عند حد ما وصل إليه السابقون عليها من الأمم في طرق زخرفة الزجاج، فقد زادوا على تلك الطرق القديمة طرقا جديدة لم تكن معروفة من قبل من أهمها طريقتان:
الأولى: استعمال الصبغ الذهبي ذي البريق المعدني بدلا من صفائح الذهب.
الثانية: استعمال المينا وتصبح خير بديل للأواني المصنوعة من الذهب الخالص وفي العصر الطولوني بدأت هذه الطريقة في مصر ثم حذفها الفنانون في العصر الفاطمي، وانتقلوا بها من الخزف إلى الزحاج، فظهر الزجاج المذهب ثم شاع بعد ذلك في العالم.
ويضم المتحف الإسلامي بالقاهرة أمثلة رائعة من المصنوعات الزحاجية يتجلى فيها جمال الشكل وروعة الزخارف ودقة التنفيذ، وإدراك الحيل الفنية بأصول هذه الصناعة والحرية الكاملة في تنوع الهيئات، كما نجح الفنان في تنويع الهئيات، كما نجح أيضا في تحقيق التلاؤم بين الكتابة والزخرفة من جهة وبين الهيئة الكلية للمصنوع الزجاجي من جهة أخرى.
من كتاب التذوق وتاريخ الفن / محمد النبوي الشال / محمد حلمي شاكر / زينب محمد علي